الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.تفسير الآية رقم (66): قوله تعالى: {أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (66)}.مناسبة الآية لما قبلها: قال البقاعي:ولما ختمت بعموم سمعه وعلمه بعد قصر العزة عليه، كان كأنه قيل: إن العزة لا تتم إلاّ بالقدرة فأثبت اختصاصه بالملك الذي لا يكون إلاّ بها، فقال مؤكدًا لما يستلزمه إشراكهم من الإنكار لمضمون هذا الكلام: {ألا إن لله} أي الذي له الإحاطة الكاملة؛ ولما كان بعض الناس قد أشركوا ببعض النجوم، جمع فقال معبرًا بأداة العقلاء تصريحًا بما أفهمه التعبير سابقًا بأداة غيرهم: {من في السماوات} أي كلها، وابتدأ بها لأن ملكها يدل على ملك الأرض بطريق الأولى، ثم صرح بها في قوله مؤكدًا لما تقدم: {ومن في الأرض} أي كلهم عبيده ملوكهم ومن دونهم، نافذ فيهم تصريفه، منقادون لما يريده، وهو أيضًا تعليل ثان لقوله: {ولا يحزنك قولهم} أو للتفرد بالعزة، وعبر بـ {من} التي للعقلاء والمراد كل ما في الكون لأن السياق لنفي العزة عن غيره، والعقلاء بها أجدر، فنفيها عنهم نفي عن غيرهم بطريق الأولى، ثم غلبوا لشرفهم على غيرهم، ولذا تطلق ما التي هي لغيرهم في سياق هو بها أحق ثم يراد بها العموم تغليبًا للأكثر الذي لا يعقل على الأقل؛ ثم نفى أن يكون له في ذلك شريك بقوله عاطفًا على ما تقديره: فما له شريك مما ادعاه المشركون منهما أو من إحداهما: {وما يتبع} أي بغاية الجهد: {الذين يدعون} أي على سبيل العبادة: {من دون الله} أي الذي له العظمة كلها: {شركاء} على الحقيقة؛ ويجوز أن تكون ما موصولة تحقيرًا للشركاء بالتعبير بأداة ما لا يعقل ومعطوفه على من: {إن} أي ما: {يتبعون} في ذلك الذي هو أصل أصول الدين يجب فيه القطع وهو دعاءهم له شركاء: {إلاّ الظن} أي المخطئ على أنه لو كان صوابًا كانوا مخطئين فيه حيث قنعوا في الأصل بالظن، ثم نبه على الخطأ بقوله: {وإن} أي وما: {هم إلاّ يخرصون} أي يحزرون ذلك ويقولون ما لا حقيقة له أصلًا؛ والاتباع: طلب اللحاق بالأول على تصرف الحال، فهؤلاء اتبعوا الداعي إلى عبادة الوثن وتصرفوا معه فيما دعا إليه، وظنهم في عبادتها إنما هو بشبيهة ضعيفة كقصد زيادة التعظيم لله وتعظيم تقليد الأسلاف، ويجوز أن يكون: {شركاء} مفعولًا تنازعه: {يتبع} و: {يدعون}. اهـ..من أقوال المفسرين: .قال الفخر: وأما قوله: {أَلا إِنَّ للَّهِ مَن في السموات وَمَن في الأرض}ففيه وجهان:الأول: أنه تعالى ذكر في الآيات المتقدمة: {أَلا إِنَّ للَّهِ مَا في السموات والأرض} [يونس: 55] وهذا يدل على أن كل ما لا يعقل فهو ملك لله تعالى وملك له، وأما هاهنا فكلمة: {مِنْ} مختصة بمن يعقل، فتدل على أن كل العقلاء داخلون تحت ملك الله وملكه فيكون مجموع الآيتين دالًا على أن الكل ملكه وملكه.والثاني: أن المراد: {مَن في السموات} العقلاء المميزون وهم الملائكة والثقلان.وإنما خصهم بالذكر ليدل على أن هؤلاء إذا كانوا له وفي ملكه فالجمادات أولى بهذه العبودية فيكون ذلك قدحًا في جعل الأصنام شركاء لله تعالى.ثم قال تعالى: {وَمَا يَتَّبِعُ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله شُرَكَاء إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن} وفي كلمة: {مَا} قولان: الأول: أنه نفي وجحد، والمعنى أنهم ما اتبعوا شريك الله تعالى إنما اتبعوا شيئًا ظنوه شريكًا لله تعالى.ومثاله أن أحدنا لو ظن أن زيدًا في الدار وما كان فيها، فخاطب إنسانًا في الدار ظنه زيدًا فإنه لا يقال: إنه خاطب زيدًا بل يقال خاطب من ظنه زيدًا.الثاني: أن: {مَا} استفهام، كأنه قيل: أي شيء يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء، والمقصود تقبيح فعلهم يعني أنهم ليسوا على شيء.ثم قال تعالى: {إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن} والمعنى أنهم إنما اتبعوا ظنونهم الباطلة وأوهامهم الفاسدة، ثم بين أن هذا الظن لا حكم له: {وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} وذكرنا معنى الخرص في سورة الأنعام عند قوله: {إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} [الأنعام: 116]. اهـ..قال القرطبي: قوله تعالى: {ألا إِنَّ للَّهِ مَن فِي السماوات وَمَنْ فِي الأرض} أي يحكم فيهم بما يريد، ويفعل فيهم ما يشاء سبحانه!قوله تعالى: {وَمَا يَتَّبِعُ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله شُرَكَاءَ} ما للنفي، أي لا يتبعون شركاء على الحقيقة، بل يظنون أنها تشفع أو تنفع.وقيل: ما استفهام، أي أيّ شيء يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء تقبيحًا لفعلهم، ثم أجاب فقال: {إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} أي يَحْدِسون ويكذبون، وقد تقدّم. اهـ..قال أبو حيان: {ألا إن لله من في السموات ومن في الأرض}.المناسبة ظاهرة في هذه الآية لما ذكرأن العزة له تعالى وهي القهر والغلبة، ذكر ما يناسب القهر وهو كون المخلوقات ملكًا له تعالى، ومن الأصل فيها أن تكون للعقلاء، وهنا هي شاملة لهم ولغيرهم على حكم التغليب، وحيث جيء بما كان تغليبًا للكثرة إذ أكثر المخلوقات لا تعقل.وقال الزمخشري: يعني العقلاء المميزين وهم الملائكة والثقلان، وإنما خصهم ليؤذن أنّ هؤلاء إذا كانوا له في ملكه فهم عبيد كلهم، لا يصلح أحد منهم للربوبية، ولا أن يكون شريكًا فيها، فما دونهم مما لا يعقل أحق أن لا يكون ندًا وشريكًا.ويدل على أنّ من اتخذ غيره ربًا من ملك أو إنسي فضلا عن صنم أو غير ذلك، فهو مبطل تابع لما أدّى إليه التقليد وترك النظر.والظاهر أنّ ما نافية، وشركاء مفعول يتبع، ومفعول يدعون محذوف لفهم المعنى تقديره: آلهة أو شركاء أي: أنّ الذين جعلوهم آلهة وأشركوهم مع الله في الربوبية ليسوا شركاء حقيقة، إذ الشركة في الألوهية مستحيلة، وإن كانوا قد أطلقوا عليهم اسم الشركاء.وجوزوا أن تكون ما استفهامية في موضع نصب بيتبع، وشركاء منصوب بيدعون أي: وأي شيء يتبع على تحقير المتبع، كأنه قيل: من يدعو شريكًا لله لا يتبع شيئًا.وأجاز الزمخشري أن تكون ما موصولة عطفًا على من، والعائد محذوف أي: والذي يتبعه الذين يدعون من دون الله شركاء أي: وله شركاؤهم.وأجاز غيره أن تكون ما موصولة في موضع رفع على الابتداء، والخبر محذوف تقديره: والذي يتبعه المشركون باطل.وقرأ السلمي: تدعون بالتاء على الخطاب.قال ابن عطية: وهي قراءة غير متجهة.وقال الزمخشري: وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه تدعون بالتاء، ووجهه أن يحمل وما يتبع على الاستفهام أي: وأي شيء يتبع الذين تدعونهم شركاء من الملائكة والنبيين، يعني: أنهم يبتعون الله تعالى ويطيعونه، فما لكم لا تفعلون فعلهم كقوله تعالى: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة} انتهى.وأنّ نافية أي: ما يتبعون إلا ظنهم أنهم شركاء.ويخرصون: يقدرون.ومن قرأ تدعون بالتاء كان قوله: {إن يتبعون} التفاتًا، إذ هو خروج من خطاب إلى غيبة. اهـ..قال أبو السعود: {أَلا إِنَّ للَّهِ مَن في السموات وَمَن في الأرض} أي العقلأَ من الملائكة والثقلين، وتخصيصُهم بالذكر للإيذان بعدم الحاجةِ إلى التصريح بغيرهم فإنهم مع شرفهم وعلو طبقتهم إذا كانوا عبيدًا له سبحانه مقهورين تحت قهرِه وملكته فما عداهم من الموجودات أولى بذلك وهو مع ما فيه من التأكيد لما سبق من اختصاص العزة بالله تعالى الموجبِ لسلوته عليه السلام وعدمِ مبالاتِه بالمشركين وبمقالاتهم تمهيدٌ لما لحِق من قوله تعالى: {وَمَا يَتَّبِعُ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله شُرَكَاء} وبرهانٌ على بطلان ظنونِهم وأعمالِهم المبنيةِ عليها، وما إما نافيةٌ وشركاءَ مفعولُ يتّبع ومفعولُ يدْعون محذوفٌ لظهوره أي ما يتّبع الذين يدعون من دون الله شركاءَ شركاءَ في الحقيقة وإن سمَّوْها شركاءَ فاقتُصر على أحدهما لظهور دلالتِه على الآخر، ويجوز أن يكون المذكورُ مفعولَ يدعون ويكون مفعولُ يتّبع محذوفًا لانفهامه من قوله تعالى: {إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن} أي ما يتبعونه يقينًا إنما يتبعون ظنَّهم الباطلَ، وإما موصولةٌ معطوفةٌ على مَنْ كأنه قيل: والله ما يتبعه الذين يدعون من دون الله شركاءَ أي وله شركاؤهم، وتخصيصُهم بالذكر مع دخولهم فيما سبق عبارةٌ أو دلالةٌ للمبالغة في بيان بطلانِ اتباعِهم وفسادِ ما بنَوْه عليه من ظنهم شركاءَهم معبودين مع كونهم عبيدًا له سبحانه، وإما استفهاميةٌ أي وأيُّ شيءٍ يتّبعون أي لا يتبعون إلا الظنَّ والخيالَ الباطلَ كقوله تعالى: {مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا} إلخ، وقرئ تدعون بالتاء فالاستفهامُ للتبكيت والتوبيخ كأنه قيل: وأي شيءٍ يتّبع الذين تدعونهم شركاءَ من الملائكة والنبيين تقريرًا لكونهم متّبعين لله تعالى مطيعين له وتوبيخًا لهم على اقتدائهم بهم في ذلك كقوله تعالى: {أُولَئِكَ الذين يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبّهِمُ الوسيلة} ثم صُرف الكلامُ عن الخطاب إلى الغَيبة فقيل: إنْ يتبعُ هؤلاء المشركون إلا الظنَّ ولا يتبعون ما يتبعه الملائكةُ والنبيون من الحق: {وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} يكذبون فيما ينسُبونه إليه سبحانه ويحزَرون ويقدّرون أنهم شركاءُ تقديرًا باطلًا. اهـ..قال الألوسي: {أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} أي من الملائكة والثقلين كما يدل عليه التعبير بمن الشائع في العقلاء، والتغليب غير مناسب هنا، ووجه تخصيصهم بالذكر الإيذان بعدم الحاجة إلى التصريح بغيرهم فإنهم مع شرفهم وعلو طبقتهم إذا كانوا عبيدًا لله مملوكين له سبحانه فما عداهم من الموجودات أولى بذلك، والجملة مع ما فيها من التأكيد لما سبق من اختصاص العزة به جل شأنه الموجب لسلوته عليه الصلاة والسلام وعدم مبالاته بمقالات المشركين تمهيد لما لحق من قوله سبحانه: {وَمَا يَتَّبِعُ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله شُرَكَاء} ودليل على بطلان ظنونهم وأعمالهم المبنية عليها والاقتصار على أحد الأمرين قصور فلا تكن من القاصرين، و: {مَا} نافية: {وشركاء} مفعول: {وَمَا يَتَّبِعُ} ومفعول: {يَدَّعُونَ} محذوف لظهوره، أي ما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء شركاء في الحقيقة وان سموها شركاء لجهلهم فالمراد سلب الصفة في الحقيقة ونفس الأمر فما ذكره أبو البقاء من عدم جواز هذا الوجه من الإعراب لأنه يدل على نفي اتباعهم الشركاء مع أنهم اتبعوهم ناشئ من الغفلة عما ذكرنا، وجوز أن يكون: {شُرَكَاء} المذكور مفعول: {يَدَّعُونَ} ويكون مفعول: {يَتَّبِعُ} محذوفًا لانفهامه من قوله سبحانه: {إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن} أي ما يتبعون يقينًا وإنما يتبعون ظنهم الباطل أو ظنهم أنها شركاء بتقدير معمول الظن أو تنزيله منزلة اللازم، وقدر بعضهم مفعول: {يَتَّبِعُونَ} شركاء ميلًا إلى إعمال الثاني في التنازع، وتعقب بأنه لا يصح أن يكون من ذلك الباب لأن مفعول الفعل الأول مقيد دون الثاني فلا يتحد المعمول والاتحاد شرط في ذلك، وكون التقييد عارضًا بعد الإعمال بقرينة عاملة فلا ينافي ما شرط في الباب بالباب كما لا يخفى، وجوز أيضًا أن تكون: {مَا} استفهامية منصوبة بيتبع و: {شُرَكَاء} مفعول: {يَدَّعُونَ} أي أي شيء يتبع المشركون أي ما يتبعونه ليس بشيء، وأن تكون موصولة معطوفة على: {مِنْ} أي وله تعالى ما يتبعه المشركون خلقًا وملكًا فكيف يكون شريكًا له سبحانه، وتخصيص ذلك بالذكر مع دخوله فيما سبق عبارة أو دلالة للمبالغة في بيان بطلان الاتباع وفساد ما بنوه عليه من الظن الذي هو من الفساد بمكان، وجوز على احتمال الموصولية أن تكون مبتدأ خبره محذوف أي باطل ونحوه أو الخبر قوله سبحانه: {إِن يَتَّبِعُونَ} والعائد محذوف أي في عبادته أو اتباعه.وقرأ السلمي: {تَدْعُونَ} بالتاء الخطابية، وروي ذلك عن علي كرم الله وجهه وهي قراءة متجهة خلافًا لزاعم خلافه فإن: {مَا} فيها استفهامية للتبكيت والتوبيخ والعائد على: {الذين} محذوف و: {شُرَكَاء} حال منه، والمراد من: {الذين} الملائكة والمسيح وعزير عليهم الصلاة والسلام فكأنه قيل: أي شيء يتبع الذين تدعونهم حال كونهم شركاء في زعمكم من الملائكة والنبيين تقريرًا لكونهم متبعين لله تعالى مطيعين له وتوبيخًا لهم على عدم اقتدائهم بهم في ذلك كقوله سبحانه: {أولئك الذين تَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبّهِمُ الوسيلة} [الإسراء: 57] وحاصله أن الذين تعبدونهم يعبدون الله تعالى ولا يعبدون غيره فما لكم لا تقتدون بهم ولا تتبعونهم في ذلك ثم صرف الكلام عن الخطاب إلى الغيبة فقيل: إن يتبع هؤلاء إلا الظن ولا يتبعون ما يتبعه الملائكة والنبيون عليهم السلام من الحق: {وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} أي يحزرون ويقدرون أنهم شركاء تقديرًا باطلًا أو ييكذبون فيما ينسبونه إليه سبحانه وتعالى على أن الخرص إما بمعنى الحزر والتخمين كما هو الأصل الشائع فيه وإما بمعنى الكذب فإنه جاء استعماله في ذلك لغلبته في مثله. اهـ.
|